نبدة عن مدينة شحات بـ ليبيا

نبدة عن مدينة شحات

عرفت شحات في القدم باسم "قورينا "وهى أشهر مدينة في اتحاد المدن الخمس
البرقية "بنتابولس "أسسها المهاجرون اليونانيون القادمون من جزيرة " نيرا "
والمعروفة اليوم باسم "سانتورين "وكان ذلك عام 631 ق.م ولم يقم المهاجرون
مستوطنة وإنما مملكة ازدهرت بالعلوم والفلسفة وكان من أبنائها كالماخوس،
وكارتياديس ، وأرسيتوس ، وبلغت أوج ازدهارها في القرن الرابع قبل الميلاد .

إن موقع المدينة، يذكر المستوطنين اليونانيين بموقع "دلفي " في منطقة "ايتوليا "
الجبلية في اليونان حيث يقوم هناك معبد أبولو وكهنته اذ كان قدماء اليونانيين
يقصدونه لتلقي التنبؤات فيما سيقدمون عليه من أمور وأعمال ، الأمر الذي جعل
هؤلاء المهاجرين يفكرون بدلفي أخرى في قورينا يقيمون معبدا لأبولو، وكان لهم
ذلك في واحد من أهم المواقع وأجملها عند منبع للحياة.

ويلاحظ الزائر أن المدينة تنقسم إلى قسمين اثنين، الأول ويضم الساحة المقدسة
لمعبد أبولو والثاني يشغل الهضبة المجاورة لها والتي تضم المباني العامة في
المركز الرئيسي للمدينة، وبعض دور السكن والمتاجر اليونانية الممتدة صوب
الشمال، وقد اختفت معالمها الأصلية نتيجة لتجديدها في العهد الروماني، ومع ذلك
يستطيع الزائر أن يتعرف على الساحة الرئيسية وهى ساحة السوق "الأغوار"،
مجلس شورى المدينة، ومدفن الملك باتوس الذي ينسب إلية تأسيس المدينة.

يستطيع الزائر مشاهدة هذه المعالم ابتداء من مدخل ساحة بروكولوس المحيطة
بالأروقة المعروفة بالقيصرية حيث يتوسطها معبد باخوس وتجاورها من الشمال دار
القضاء "البازيليكا" وشارع الملك باتوس والمسرح الروماني والمسرح الهلينى
"الأود يون "ورواق هو موس حوقل ومنزل جاسون مغنوس الفخم العائد للقرن
الثاني الميلادي والقائم بجوار معبد هرمس ومنزل هيسييكوس وأما "الأغوار
"فمزدانة بأروقة فخمة من الشمال والغرب إلى جوار مباني مثل مجلس
"البريتانيوم "ومعبد جوبيتار والنصب البحري ومعبد ويبيتر والمدخل
الغربي و "الجمنازيوم مبنى الألعاب الرياضية.

والحمامات الرومانية من أهم آثار المدينة أنشئت عام 98م. في عهد الإمبراطور
تراجان، إلا أن خرابا حل بها نتيجة ثورة الجالية اليهودية في سنة 115م. ثم أعيد
بناؤها في عهد الإمبراطور آوريان، ولا يزال الأسلوب والطراز لهذه الحمامات
ماثلين في الحمامات الشرقية مع اختلاف طفيف وإذا ما زرت المدينة فستشاهد
حماما بيزنطيا صغيرا يقوم على أنقاض حمامات الإمبراطور تراجان، هناك في
القطاع الشرقي منها.

وأما الحمامات اليونانية وهى الأقدم تاريخيا، فيمكنك بلوغها عبر طريق منحدر
ومجاور لطريق الوادي الذي يعرف باسم "الطريق المقدس "ويمتد طريق حتى يبلغ
ساحة مدينة شحات الحديثة، مرورا بقوس النصر الذي أقيم تكريما للإمبراطور
ماركوس اوريليوس ولوكيوس سفيروس "166-164م" وهاهنا تقوم أطلال مسرح
مربع الشكل ويعد الرابع من نوعه في مدينة قورينا وفى الجنوب الشرقي وبمحاذاة
الطريق العام يشاهد خزان المياه الذي كان يزود الأحياء العليا من المدينة بالمياه
وإذا ما سلكت الطريق المتجهة صوب الشمال فستصل مضمار السباق الذي كان
يجرى علية سباق العربات في العهد الروماني، وتصميم المضمار تقليدي، اذيمتاز
بنهايته المستديرة الظاهرة للعيان بالإضافة إلى صفوف المقاعد المدرجة وفى
الطريق الشمالي من مضمار السباق يوجد الممر المؤدى إلى معبد زيوس اليوناني
الضخم، وهو أكبر معبد من الطراز الدوري في قورينا، والوحيد من نوعه في أفريقيا
ويعود إنشاؤه إلى القرن السادس ق.م.، وقد جدد بناؤه في فترات متتالية من العصر
الروماني، واتبع في تجديده أسلوب العمارة القديمة للمعبد، وقد أخضع للترميم في
السنوات الأخيرة ويمتد الطريق المعبد صوب الغرب وصولا إلى فندق شحات،
ومرورا بأجمات من شجر الصنوبر، وفى مواجهة المنعطف المؤدى للفندق يشاهد
جزء من سور المدينة وعلى المرتفع القائم من خلفه تشاهد أطلال لمعبد من الطراز
الدوري، أما في المستوى الأدنى من الفندق، وبمواصلة السير باتجاه مكاتب الآثار
فيلاقيك المتحف الذي يضم العديد من التماثيل و المنحوتات التي انتشلت من حفريات
قورينا، وتشاهد في المنخفض الكائن في الأسفل بقايا من القبر الدائري العائد للعصر
الهيلينى، ومقابر قورينا معلم أثرى ينتشر في أطراف المدينة في مجموعات أربع.
المقبرة الشمالية، وتقع على جانبي الطريق المؤدية إلى سوسة "أبولونيا " ومعظم
قبورها منحوتة في الصخر وأما المقبرة الشرقية فتقع في السهل الممتد بين المدينة
وتقاطع الطرق الحالية، ومعظم قبورها مبنية من الحجارة وان كان البعض منها
منحوتا في الصخر أما المقبرة الغربية فتقع على منحدر وادي بلغدير ومعظم قبورها
منحوتا في الصخر أيضا والجدير ملاحظته أن معظم المقابر في قورينا يونانية
الأساس والتصميم الهندسي.

ظلت قورينا تواكب ركب الحضارة اليونانية والهيلينية حاملة مشعل الثقافة في العالم
القديم زهاء ألف عام، وبالرغم من ظروف التقهقر والتدهور التي عاشها في
القرون الأخيرة من حياتها، والتي بدأت منذ القرن الثالث بعد الميلاد اثر
الزلازل التي دمرتها.

وقورينا اليوم هي شحات التي ترتفع على تلك البقاع بمبانيها الحديثة وطرقها
وأسواقها ومساجدها معانقة أفقها الأزرق بقسميه السماء والماء حيث البحر
بروعته وجماله.