#
إذا مرَّ القطاروسمعت جلبة لإحدى عرباته فاعلم أنها فارغة،
وإذا سمعت تاجراً يحرّج علىبضاعته وينادي عليها
فاعلم أنهاكاسدة،
فكل فارغ من البشر والأشياء له جلبة وصوتوصراخ،
أما العاملون المثابرون فهم في سكونووقار؛
لأنهم مشغولون ببناء صروح المجد وإقامة هياكلالنجاح،
إن سنبلة القمح الممتلئة خاشعة ساكنةثقيلة،
أما الفارغة فإنها في مهب الريح لخفتهاوطيشها،
وفي الناس أناس فارغون مفلسون أصفار رسبوافي
مدرسة الحياة، وأخفقوا في حقول المعرفة والإبداعوالإنتاج
فاشتغلوا بتشويه أعمال الناجحين، فهم كالطفل الأرعنالذي
أتى إلى لوحة رسّام هائمة بالحسن، ناطقة بالجمالفشطب
محاسنها وأذهب روعتها،
وهؤلاء الكسالى التافهونمشاريعهم كلام،
وحججهم صراخ، وأدلتهم هذيان لا تستطيع أنتطلق
على أحدهم لقباً مميّزاً ولا وصفاًجميلاً،
فليس بأديب ولا خطيب ولا كاتب ولامهندس
ولا تاجر ولا يُذكر مع الموظفين الرواد، ولا معالعلماء
الأفذاذ، ولا مع الصالحين الأبرار، ولا مع الكرماءالأجواد،
بل هو صفر على يسار الرقم،
يعيش بلا هدف،ويمضي بلاتخطيط، ويسير بلا همة،
ليس له أعمالتُنقد،
فهو جالس على الأرض والجالس على الأرض لايسقط،
لا يُمدح بشيء، لأنه خال من الفضائل، ولا يُسب لأنهليس
له حسّاد، وفي كتب الأدب أن شاباً خاملاً فاشلاً قاللأبيه:
يا أبي أنا لا يمدحني أحد ولا يسبني أحد مثلفلان
فما السبب؟ فقال أبوه: لأنك ثور في مسلاخإنسان،
إن الفارغ البليد يجد لذة في تحطيم أعمالالناس
ويحس بمتعة في تمريغ كرامةالرّواد،
لأنه عجز عن مجاراتهم ففرح بتهميشإبداعهم،
ولهذا تجد العامل المثابر النشيط منغمساً في إتقانعمله
وتجويد إنتاجه ليس عنده وقت لتشريح جثثالآخرين
ولا بعثرة قبورهم، فهو منهمك في بناءمجده
ونسج ثياب فضله،
إن النخلة باسقة الطولدائمة الخضرة حلوة الطلع
كثيرة المنافع، ولهذا إذا رماها سفيهبحجر
عادت عليه تمراً، أما الحنظلة فإنها عقيمةالثمر،
مشؤومة الطلع، مرة الطعم، لا منظر بهيجاً ولا ثمرنضيجاً،
إن السيف يقص العظام وهو صامت، والطبل يملأالفضاء
وهو أجوف، إن علينا أن نصلح أنفسنا ونتقنأعمالنا،
وليس علينا حساب الناس والرقابة علىأفكارهم
والحكم على ضمائرهم، الله يحاسبهم واللهوحده
يعلم سرّهم وعلانيتهم، ولو كنا راشدين بدرجةكافية
لما أصبح عندنا فراغ في الوقت نذهبه في كسر عظامالناس
ونشر غسيلهم وتمزيق أكفانهم، التافهونوحدهم
هم المنشغلون بالناس كالذباب يبحث عنالجرح،
أما الخيّرون فأعمالهم الجليلة أشغلتهم عن توافهالأمور
كالنحل مشغول برحيق الزهر يحوّله عسلاً فيه شفاءللناس،
إن الخيول المضمرة عند السباق لا تنصتلأصوات
الجمهور، لأنها لو فعلت ذلك لفشلت في سباقهاوخسرت
فوزها، اعمل واجتهد وأتقن ولا تصغ لمثبّط أوحاسد
أو فارغ.
هبطت بعوضة علىنخلة، فلما أرادت أن تطير قالت للنخلة:
تماسكيأيتها النخلة فأنا سوف أطير، فقالت النخلة
للبعوضة: والله ما شعرت بك يوم وقعت فكيف أشعربك
إذا طرتِ؟!
دمتم بخير