وفاة أبي بكر الصديق
الزمان/ الاثنين 21 جمادى الآخرة - 13هـ
المكان/
المدينة المنورة
الموضوع / وفاة الصحابي الكبير أبي بكر الصديق
الأحداث /
إن سيرة هذا الرجل أكبر وأجل من أن نؤرخ لها هنا في صفحتنا تلك فهو يحتاج إلى مصنفات كاملة حتى نوفي له بعض حقه والذي دفعنا لئن نؤرخ لحياة هذا الصحابي الكريم هو ما نراه من قيام خراف ونعاج بالتغني بأمجاد زائفة وأوهام كاذبة عن بطولات هي في حقيقتها نكسات وإنكسارات , فحياته رضي الله عنه قدوة للرجال وأسوة للأبطال خاصة في زماننا هذا الذي اختل فيه معنى الرجولة حتى رأينا معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن قرب الساعة والذي قال فيه 'وينطق فيها الروبيضة , قيل وما الروبيضة ؟ قال الرجل التافه ينطق في أمر العامة' ونحن لا نستطيع أن نحصي لهذا الرجل كل حقه ولكن سوف نتعرض للمحات سريعة من حياته الكريمة الطيبة .
هو عبد الله بن عثمان ' أبو قحافه' بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم , وبنو تيم أحد بطون قريش الاثنا عشر , وكان يسمى في الجاهلية عبد الكعبة فغيره النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله وكانت كنيته في الجاهلية كما هي في الإسلام 'أبا بكر' كما كان من ألقابه 'العتيق' لعتقه من النار وقيل لحسن وجهه وجماله وقد ولد بعد النبي بثلاثة سنوات أو بعامين وكان من وجهاء قريش وأشرافهم وإليه ولاية 'الأشناق والمغارم' فكان إذا حمل شيئاً فسأل فيه قريشاً أجابوه , وكان ممن حرم على نفسه الخمر في الجاهلية , كما لم يسجد لصنم في جاهليته وكان من كبار تجار قريش وكانت أخلاقه جميلة طيبة نقية لذلك أحبه الناس , واصطفاه الرسول صلى الله عليه وسلم ليجعله صديقه المقرب قبل الإسلام .
عرف أبو بكر في الإسلام بالصديق لأنه أول من صدق وآمن من الرجال وذلك بلا تردد ونظر كما قال عنه 'ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة وتردد ونظر إلا أبا بكر ما عتم عنه حين ذكرته وما تردد فيه ' ومن أول يوم لإسلامه انطلق يدعو لدين الله عز وجل حتى أسلم على يديه في يوم واحد 'عثمان بن عفان – سعد بن أبي وقاص – الزبير بن العوام – عبد الرحمن بن عوف - طلحة بن عبيد الله' وكلهم مبشرين بالجنة ففاق عدد من أسلم على يديه في أول الدعوة عدد من أسلم على يدي النبي صلى الله عليه وسلم نفسه.
ظل طوال حياة النبي صلى الله عليه وسلم ملتصقاً بالنبي لا يفارقه في حضر ولا سفر قبل الهجرة وبعدها فكان له شرف الصحبة للرسول في الهجرة ونزلت كرامته وشهرته وفضله في القرآن الكريم في آيات كثيرة , ولم يتخلف عن غزوة من غزوات النبي لذلك أسند إليه الرسول إمارة الحج في السنة التاسعة للهجرة في أول سنة يؤدي المسلمون فيها فريضة الحج , وكان من شدة التصاقه وتعلقه بالنبي وتفضيل النبي له معروفاً عند العرب بوزير محمد واختاره النبي لإمامة الناس أثناء مرضه وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم :'لو كنت متخذا من العباد خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن صحبة وإخاء إيمان حتى يجمع الله بيننا عنده' وقال عنه 'ما لأحد عندنا يد إلا كافأناه إلا أبا بكر فإنه له عندنا يد يكافئه الله بها يوم القيامة' وفضائله كثيرة ومناقبه مشهورة وبالجملة هو أفضل الصحابة ومقدمهم وما طلعت الشمس ولا غربت على أحد أفضل من أبي بكر إلا أن يكون نبياً .
من يوم وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وأبوبكر كان رجل الساعة وفارس الميدان المقدم الذي قيضه الله عز وجل لهذه الأمة حتى يقود سفينتها إلى بر السلامة في وقت عصيب جداً فاستطاع أن يمنع وقوع فتنة بين المسلمين عندما اختلفوا في موت النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام بالدور الأكبر في يوم السقيفة عندما استطاع إقناع الأنصار بأحقية المهاجرين في الخلافة فقد كان قوي الحجة فصيح اللسان حتى قيل عنه 'ما حاور أبا بكر أحداً إلا أقنعه' وحفظ يومها الأمة من الخلاف والشقاق بين عنصري الأمة 'المهاجرين والأنصار' وأجمع الناس على خلافته للمسلمين .
وعندما أصبح أبو بكر هو الخليفة القائم مقام النبي في أمته كان له من الأعمال البارزة التي تنطلق بحق عن مقام هذا الصديق فكان من أعماله ما يلي :
- تسيير جيش أسامة بن زيد : وهذا الجيش كان قد تم إعداده في حياة الرسول وجعل على قيادته أسامة بن زيد فلما مرض النبي توقف الجيش عن السير فلما مات النبي وارتدت العرب كان أول قرار لأبي بكر هو تسيير جيش أسامة فأشار عليه البعض باستبقاء الجيش ليكون قوة للمسلمين في هذا الوقت العصيب فقال 'والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفدت بعث أسامة كما أمر به رسول الله' ثم أشاروا عليه بتولية من هو أقدم سناً من أسامة ابن الثامنة عشر وكان المشير بذلك عمر بن الخطاب فوثب أبو بكر وأخذ بلحية عمر وقال له 'ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أنزعه' .
وكان هذا الرأي صائباً وفي صالح الإسلام ذلك لأن هذا الجيش كلما مر على قبيلة قالوا ما خرج هؤلاء إلا ولهم قوة ومنعة في المدينة فكان خروجهم سبباً لمنع كثير من القبائل عن الارتداد وبانت بركة رأي أبي بكر .
- حروب الردة : هذه هي أعظم أعمال أبي بكر رضي الله عنه فلولا فضل الله عز وجل على هذه الأمة بأن قيض لها أبا بكر لزالت وضاعت هذه الأمة في أحداث الردة وصار وجوده مضرباً للأمثال فقيل 'ردة ولا أبا بكر لها' , فلقد كانت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قاصمة لكثير من العرب الذين دخلوا الإسلام حديثاً فارتد كثير من العرب وتضرمت الأرض ناراً حول الصحابة ولم يثبت على الإسلام إلى المدينة ومكة والطائف وأصبح المسلمون كالغنم في الليلة الشاتية المظلمة وكانت أول مظاهر الردة وأول صورها هي منع الزكاة فاختلف الصحابة في قتالهم بين مانع ومجيز ولكن أبا بكر الصديق حسم الخلافة وقال كلمته الشهيرة جداً :'والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال , والله لو منعوني عناقاً وفي رواية عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لأقاتلنهم على منعها' فكان رأي أبي بكر أن الإسلام كل لا يتجزأ وليس هناك فرق بين فريضة وأخرى وعندما راجعه عمر في الأمر قال له :'يا ابن الخطاب أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام' ثم قال كلمته الشهيرة التي يجب أن تكون دستور كل مسلم 'أينقض الدين وأنا حيَّ' .
فقال عمر بن الخطاب 'فوالله ما هو إلى رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق' واتبع أبو بكر سياسة حربية حازمة وقوية وذكية في نفس الوقت حيث أرسل أحد عشر جيشاً دفعة واحدة إلى كل مناطق الردة فضرب بؤر الردة كلها دفعة واحدة فكانت كما يقولون ضربة معلم قضى بها على حركة الردة وقمع المخالفين وعاد الناس مرة أخرى لدين الله أفواجاً .
- جمع القرآن الكريم : كانت قضية الدين الإسلامي تشغل حياة أبي بكر كلها ومسئولية تماماً على فكره وعقله يبحث عن كل ما ينفع الدين ويفعله ويقبل النصحية فيه فجاء جمع القرآن الكريم عملاً بنصحية عمر بن الخطاب عندما استمر القتل بحفظة القرآن في حروب الردة وخافوا من ضياع القرآن بضياع حفظته فأمر أبو بكر بجمع القرآن الكريم فحفظه بفضل الله من الضياع .
- الفتوح الإسلامية الكبرى : ما أن إنتهت حروب الردة وتحققت وحدة الدولة المسلمة مرة أخرى حتى بدأ المسلمون لرفع راية الجهاد في سبيل الله فمد أبو بكر ذراعيه على كلتا الجبهتين العراقية والشامية وانتصب كالأسد للفرس والروم فاستطاع خلال شهور قليلة فتح معظم بلاد العراق وفضفض جموع الفرس بها بسيف الله ونقمته خالد بن الوليد ولما استحكم الأمر في العراق توجه للشام وقرر غزوها وجهز أربعة جيوش لفتحها وأرسل لها مدداً خالد بن الوليد من العراق للصدام المرتقب مع الروم في موقعة اليرموك الشهيرة وفي هذا الوقت قد آن للراكب أن يترجل وللمسافر أن ينزل وللطائر المحلق أن يحط في قراره في هذا الوقت حانت نهاية الحبيب رضي الله عنه .
اختلف الناس في سبب وفاة الصديق رضي الله عنه فقيل أن اليهود عليهم لعنة الله قد وضعوا له السم في الطعام فأكل هو الحارث بن كلدة 'طبيب العرب' فعندما أكل الحارث قال له أرفع يدك يا أمير المؤمنين فلقد أكلنا طعاماً مسموماً سم سنة , فماتا سوياً في نفس اليوم بعد سنة , وقيل أنه اغتسيل في ليلة باردة فأصابته الحمى خمسة عشر ليلة ثم مات رضي الله عنه في يوم 21 جمادى الآخرة 13 هـ , وكان أكبر أمر شغل به أبو بكر في أثناء مرضه هو من يلي أمر المسلمين بعده ؟ فالحرب قائمة بين المسلمين وأعدائهم والظروف حرجة فأهم أبا بكر أمر من يلى المسلمين ؟ ولكنه لم يذهب بعيداً ويفكر طويلاً لأن رأيه حتى من قبل أن يتولى الخلافة كان منحصراً في الفاروق عمر ولكنه استشار الأولين من الصحابة عن توليته فوافقه الجميع على ذلك ولكن طلحة بن عبيد الله قال له 'ما أنت قائل لربك إذا سألك عن إستخلافك عمر غلنيا وقد ترى غلطته فقال أبو بكر 'أجلسوني فلما جلس قال أبا لله تخوفني؟ خاب من تزود من أمركم بظلم أقول له اللهم إستخلفت عليهم خيرأهلك ثم قال للقائل أبلغ عني ما قلت من ورائك' .
وكان مما قاله قبل موته 'أما أنا منذ ولينا أمر المسلمين لم نأكل لهم ديناراً ولا درهماً ولكنا قد أكلنا من جرين طعامهم في بطونهم ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا وليس عندنا من فئ المسلمين قليل ولا كثير إلا هذا العبد الحبشي وهذا البعير الناضح وجرد هذه القطيفة فإذا مت فإبعثوا بها إلى عمر' فلما جاءه الرسول بكى عمر حتى جعلت دموعه تسيل على الأرض وهو يقول 'رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده .. لقد أتعب من بعده .. ' وكان آخر ما تكلم به أبو بكر رضي الله عنه 'توفني مسلماً والحقني بالصالحين' .