ملاحظة : البحث منقول وهو بحث مبسط يتناول التعليم العالي وتنمية الموارد البشرية
التعليم العالي وتنمية الموارد البشرية :
الأبعاد والتوجهات المعاصرة
مقدمة
يرتكز الاهتمام بتنمية الموارد البشرية من حقيقة ان الانسان هو القوة الفعلية للانتاج ،وغاية التنمية واداتها الاساسية ، والمحرك الرئيسي للتنمية الشاملة . ويترتب على الاهمية البارزة للانسان في كونة غاية التنمية ومقصدها ضرورة ان تؤدي التنمية الى اشباع حاجاته المادية والمعنوية ، وذلك من خلال اتاحة فرصة عمل له تتفق مع رغباته وميوله وامكانياته ومهاراته. وانطلاقا من ذلك لا بد ان تتوفر القوى العاملة بالكم والكيف اللازمين لتنفيذ مشروعات وبرامج وخطط التنمية .
يعد مصطلح التنمية تعبير حديث نسبيا دخل قاموس المفردات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، وكان علماء الاقتصاد اول من اهتم بهذا المفهوم الجديد ، وكان يقاس التقدم والتخلف بمدى زيادة الانتاج وتوافر الثروة ونمو الدخل ،ثم اكتشف الاقتصاديون ان هنالك جوانب اخرى للتقدم لا تنحصر بالزيادة "الكمية" للثروة المتراكمة او الدخول المتحققة ، بل تشمل الجوانب "الكيفية" لنوعية الحياة، وهكذا ظهر مفهوم "التنمية البشرية"Human development الذي يمتد ليشمل معدلات الحياة ومستوى التعليم فضلا عن مدى احترام القيم الانسانية من حرية وعدالة ومساواة ، وبعدئذ وجد ان التنمية لا ينبغي ان تقتصر على الاجيال الحالية فتتناسى احتياجات الاجيال القادمة على قاعدة نحن نغرس لتحصد الاجيال القادمة ، فبرز مفهوم "التنمية المستدامة " Sustainable development . وللموارد البشرية اهمية كبيرة ومركزية في عملية التنمية بشتى انواعها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية أي في التنمية الشاملة ، وخير برهان على ذلك البلدان الفقيرة بالثروات الطبيعية ، والتي استطاعت ان تحتل المراتب الاولى في الترتيب العالمي للبلدان الاكثر تقدما اقتصاديا واجتماعيا ،وبالمقابل هناك كثير من البلدان الغنية بمواردها الطبيعية ، ولكنها عجزت عن تحقيق التنمية وذلك بسبب اعتمادها على هذه الثروة الطبيعية دون العمل على بناء المورد البشري المؤهل والمدرب والمهيأ والكفء والفاعل ذي الامكانيات والمعارف والخبرات ، والانسان هو المفكر والصانع والمبادر والقائد والمبدع والمبتكر والمنفذ ، وعلى الرغم من ان عملية التنمية موجهة لخدمة الانسان ، فهي لا تحصل الا بجهوده ومعارفه وخبراته ، فهو الوسيلة والغاية .
وعرف تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2002م التنمية البشرية بانها عملية توسيع الخيارات ففي كل يوم يمارس الانسان خيارات متعددة بعضها اقتصادي ، وبعضها اجتماعي ، وبعضها سياسي ، وبعضها ثقافي . وحيث ان الانسان هو محور تركيز جهود التنمية ، فانه ينبغي توجيه هذه الجهود لتوسيع نطاق خيارات كل انسان في جميع ميادين سعي الانسان . والتنمية البشرية عملية ومحصلة في الوقت ذاته ، فهي تهتم بالعملية التي يجري من خلالها توسيع الخيارات وتركيز على النتائج التي تم تعزيزها .
احدثت تقنيات توصيل وتبادل المعلومات تغييرات جذرية على الاقتصاد العالمي ، وفرضت هذه التغيرات بدورها على الحكومات ضرورة الاهتمام التعليم وتنمية الموارد البشرية . فعلى الرغم من التقدم الكبير الحادث في مجالي التعليم والتدريب خلال العقديين الماضيين ، لا يزال العالم يعاني 00000 ولا يزال هناك العديد من الدول التي تحاول ان تتصدى اللامكانيات المحدودة المتاحة امام الاطفال والشباب للوصول الى خدمات التعليم والتدريب .
والانسان هو صانع التنمية وهو الموجه لها وبذا" يستطيع الانسان المتعلم ان يصوغ مشروعات التنمية وبرامجها وفقا للدراسات والبحوث والمقاييس العملية السليمة التي تجعل من هذه البرامج والمشروعات مطابقة لحاجته ولواقعه بل ولتطلعاته المستقبلية ، كما يستطيع ان يستخدم الادوات العلمية في القياس والتقويم للنتائج التي تصل اليها هذه البرامج ، ويحلل هذه النتائج لقياس مدى النجاح او الفشل في تحقيق الاهداف المرسومة للتنمية في مجتمعة ، وبين وضع المشروعات والبرامج وانتهاء بالتقويم والقياس تحتاج هذه المشروعات والبرامج الى انسان متعلم يستطيع ان يفهم ويطبق هذه التنمية في احدث مايمكن ان يستفيد منه سواء كان ذلك في ميدان النظريات والتصورات او في ميدان استخدام الاجهزة والوسائل والمعدات التقنية الحديثة . ولذا فاننا لا نبالغ اذا قلنا ان أي مشروع للتنمية في أي مكان من العالم لا يمكن ان يؤسس على قواعد صحيحة ويحقق اهداف اذا لم تتولاه عناصر بشرية متعلمة ،مدربة ومؤهلة على تنفيذ "
اهمية رأس المال البشري
يعتبر العنصر البشري اهم عناصر الانتاج ، بل هو قوة الانتاج الرئيسية ، وانه ليس غاية التنمية ومقصدها فحسب ، بل هو اداتها الرئيسية ايضا ، كما انه العنصر الاساسي والجوهري في ترجمة خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية الى مشاريع هادفة وانجازات ملموسة .
يتوقف مستوى تقدم الامم وفعاليتها ونموها وازدهار شعوبها بالدرجة الاولى على ما تمتلكة من موارد بشرية فاعلة ، وادركت الدول المتقدمة اهمية الاستثمار في العنصر البشري ك(ثروة) حقيقية تفوق أي ثروة طبيعية اخرى فسعت الى الاهتمام بها والتركيز عليها . ويرى العالم المرموق (200)peter Drucker انه بحلول عام 2030 سوف يكون ( %40) من القوى العاملة في العالم يتمتعون بالمعرفة ، ويطلق دركر على العاملين الذين يتمتعون بالمعرفة ب" تقنيو المعرفة " ويصفهم بالآتي : " هم فنيو الحاسوب ومصممو البرمجيات والمحللون في المختبرات الاكلينيكية والتقنيون والصناعيون والمساعون. وهؤلاء الافراد هم عاملون يدويون ويتمتعون في نفس الوقت بالمعرفة .ويقضي هؤلاء جل وقتهم العمل بايديهم اكثر مما يقضونه بعقولهم ، ولكن عملهم اليدوي مبني على قدراتهم العقلية وما يتمتعون من معرفة التي يتم عادة اكتسابها من خلال التعليم النظامي لا عن طريق التعليم الحرفي . ومن المرجح ان يكون تقنيو المعرفة (القوة الاجتماعية ـ وربما السياسية ايضا ) المهيمنة على مدى العقود القادمة "
وينظر الى راس المال البشري في كونه الموارد الاستراتيجي في العملية الانتاجية ، أي الموارد الذي يصعب نسخه او تقليده من قبل أي مؤسسة اخرى غير التي يعمل بها . واثبتت التجارب ان الدول التي تتوفر لديها كفاءات علمية متطورة تحرز تطورا اسرع من الدول التي لا تمتلك هذه الكفاءات . فدول مثل هونج كونج وسنغافورة والهند وماليزيا تمكنت من الاستفادة من الاستثمار في القوى العاملة المتعلمة . والاستثمار في التعليم العالي له عوائد مضمونة على المدى المتوسط والبعيد .
وفي هذا العصر ، اصبح من السهل على كل المؤسسات ان تقوم بنسخ وتقليد جميع برامج العمل والالات والتقنيات والبرمجيات المستخدمة في الانتاج والخدمات في أي مؤسسة اخرى ، عدا العنصر البشري ، الذي هو العنصر الوحيد غير القابل للنسخ او التقليد .
الاستثمار في التعليم بصفته استثمارا في البشر
يساهم التعليم العالي بشكل اساسي في خدمة المجتمع والارتفاع به حضاريا لتصبح مؤسسات التعليم العالي فيه موطنا للفكر الانساني على ارقى مستوياته ومصدرا لتنمية الموارد البشرية ،متوخيا في ذلك رقي الفكر والابداع والابتكار وتقدم العلوم الطبيعية والطبية والاجتماعية والانسانية والتطبيقية وتنمية القيم الانسانية والمساهمة في المعرفة الكونية على اسس من الندية والتكافؤ وترسيخ الاصالة وتطويرها والنهوض بها الى مستوى المعاصرة.
تشير اغلب ادبيات اقتصادية على دور التعليم العالي كمحدد اساسي للانتاجية ،ورفع القدرة التنافسية ، ويبدو هذا بوضوح في اهتمام الدول بانشاء الجامعات وربطها بنظام الانتاج وحاجات المجتمع ، فرفع معدلات النمو المستديم يتم عن طريق زيادة الطاقة الانتاجية والاستثمارات في الاصول الملموسة (مثل الابتكار والتعليم والتدريب ) ، وهو ما يشكل مطلبا اساسيا لتحقيق اهداف رفع الانتاجية ومستويات التشغيل ، وعلى هذا فان النمو الاقتصادي يرتبط في احد جوانبه بالمستوى الاولي لمتوسط سنوات التحصيل الدراسي في التعليم العالي واحيانا التعليم الثانوي ، فالعمال ذوو التعليم الاعلى اكثر قدرة على التعامل مع التقنيات الجديدة ، ويؤدون دورا مهما في نشر التقنيات المرتبطة بالعملية الانتاجية .
وينظر خبراء التنمية الى المعرفة العلمية والتقنية باعتبارها سلعا استهلاكية واستثمارية في آن واحد ( عامل انتاج) ، والطلب على المعرفة ( المعبر عنه بالرغم في ان يدفع المرء او الجهات الرسمية والخاصة مقابل الحصول على المعرفة )يعتمد على المنفعة الحدية التي تجلبها تلك المعرفة على مالكيها ، سواء اكانت المعرفة استهلاكا ام استثمارا فانها تكلف موارد وتحقق منافع ، وتنعكس بشكل او بآخر على عملية التنمية الاقتصادية والبشرية .
وتنبع اهمية التعليم في تنمية الموارد البشرية على اعتباره استثمارا مهما ومحورا للتقدم والتطور ، ويمكن التعرف على الارتباط الوثيق بين التعليم والمورد البشري من خلال العناصر الآتية :
ـ يعد التعليم استثمارا لاثمن انواع المورد البشري .
ـ يرتبط الاستثمار في التعليم بمستقبل الوطن ورقيه وتقدمه في شتى نواحي الحياة .
ـ يعد الانسان راس المال المعرفي الاثمن .
ـ يجب تنمية الانسان تنمية شاملة متكاملة ، لارتباط ذلك بنجاح التنمية الاقتصادية والاجتماعية .
ـ ينبغي توفير مصادر التمويل اللازم لتطوير التعليم وفقا للمتغيرات الميدانية .
ـ ينبغي المشاركة في الاستثمار في التعليم على اعتباره مسؤولية مجتمعية مشتركة .
تعد تنمية الموارد البشرية من القضايا المهمة والاكثر الحاحا في الوقت الراهن كونها المحرك الاساسي للتنمية والتحديث ومواكبة التغيير ومتطلبات العصر . وتكمن اهمية الموارد البشرية وضرورتها في القدرة على صقل ورفع القدرات والمهارات والمعارف البشرية في جميع جوانبها العلمية والفنية والادارية مما ينعكس ايجابا في زيادة الطاقة والانتاج والارتقاء بنوعية الاداء . واضافة على ذلك يمكن لتنمية الموارد البشرية ان تسهم في تقليل الهوة بين الفقراء والاغنياء من خلال توفير فرص تعليمية وتدريبية لابناء المجتمع بمختلف فئاته وشرائحه مما يؤدي الى توفير وظيفية افضل وتحقيق مزيد من القدرة على الاعتماد على النفس واثبات الذات . ولذا فان التعليم العالي يستاثر باهمية بالغة في تنمية الموارد البشرية لما يقوم به من دور فاعل في توفير فرص التعليم والتدريب وتهيئة الكفاءات البشرية للحاق بركب العمل في مختلف فروعه وصنوفه .
خصائص الموارد البشرية في القرن الحادي والعشرين
تنبع اهمية الاهتمام بخصائص الموارد البشرية من التغيير الكائن في طبيعة وبيئات العمل ،وارتباط العنصر البشري بمفهوم الانتاج والتطوير والابتكار اذ ان رفع كفاءة العاملين بما يتناسب مع متطلبات القرن الحادي والعشرين ومتغيراته وطفراته العاجلة تؤدي الى تمكين العناصر البشرية من زيادة الانتاج ، والمساهمة في بناء المعرفة واستثمارها بشكل امثل في مواقع العمل . ولكي تكون الدول اكثر قدرة على المنافسة ومواجهة الاقتصاد العالمي المتطور ، والتكتلات الاقتصادية ، وغزو الشركات العالمية العابرة للحدود ، فان على عاتقها توفير قوى بشرية مدربة ومؤهلة تاهيلا عاليا يتيح المجال امامها للحصول على موقع مهم ومكانة تليق بمواطنيها في الاقتصاد العالمي الجديد . ومن هذا المنطلق يعول على مؤسسات التعليم العلي القيام بواجبها في تصميم البرامج والتخصصات المناسبة ، واعداد خريجين مؤهلين ومزودين بالقدرات والكفايات والخصائص اللائمة لسوق العمل .
يرتبط الاقتصاد العالمي ارتباطا وثيقا بتقنيات المعلومات والاتصالات ، مما يجعل معظم المهن اليوم وفي المستقبل مرتبطة بشكل مباشر بهذه التقنيات ، ووفقا لذلك يحدد الخصائص الاساسية للقوة العاملة في :
1ـ القدرة على التقاط المعلومات وتحويلها الى معرفة قابلة للاستخدام .
2ـ القدرة على التكيف والتعلم بسرعة ، وامتلاك المهارات اللازمة لذلك .
3ـ اتقان التعامل مع تقنية المعلومات والتقنية المعتمدة على الحاسب وتطبيقاتها في مجال العمل .
4ـ القدرة على التعاون والعمل ضمن فريق ، واتقان مهارات الاتصال اللفظية والكتابية والافتراضية .
5ـ امتلاك مهارات إضافية مميزة تختلف عن المهارات تقليدية في الاعمال الروتينية التي اصبحت انظمة الاتمتة تقوم بها .
6ـ إتقان أكثر من لغة حتى يمكن العمل في بيئة عمل عالمية .
7ـ إتقان العمل خارج حدود الزمان والمكان والقدرة على إدارة العمل سواء كان ذلك في بيئات عمل تقليدية أو بيئات افتراضية .
8ـالقدرة على تحديد الحاجات والرغبات الفريدة الخاصة بالمستهلكين الأفراد أو المؤسسات والهيئات، فلم تعد المنتجات ذات الموصفات المعيارية الموحدة تناسب الجميع.
9. القدرة على التحرك بسرعة، والتغير بسرعة، والإحساس بضرورة الاستعجال في متابعة التغيرات وتلبية حاجات المستهلكين.
ولتعزيز القدرة التنافسية لأي دولة في توفير القوى العاملة لمؤهلة يتوجب عليها دراسة بما يسمى " تحليل الفجوات" وذلك للتعرف على الأصول الحالية لموجودة من القوى البشرية العاملة (القوى العاملة لموجودة على رأس العمل) والكفاءات المطلوبة في مواقع العمل حالياً ومستقبلياً. ويحتاج ذلك وجود قواعد بيانات ثرية ودقيقة عن القوى العاملة وطبيعتها، والحاجات المستقبلية من القوى البشرية ونوعية التعليم والتدريب والمهارات الضرورية لتأهيلها. وحددت " لجنة تحقيق المهارات الضرورية" والمعروفة اختصاراً بـ" SCANS" والمنبثقة عن وزارة العمل ثمان مهارات أساسية ينبغي أن تكون مكتسبة عند كل موظف، وهي الرياضيات التطبيقية، والتقنية التطبيقية، والاستماع، وتحديد مكان المعلومات، والمراقبة، والقراءة من أجل الحصول على المعلومات، والعمل في فريق، والكتابة.
ولأعداد الكفاءات البشرية للقرن الحادي والعشرين حددت هذه اللجنة ثلاث أسس ضرورية مبنية على المهارات الأساسية، ومهارات التفكير والصفة الشخصية. وتقيس بعض الدول حالياً قدرة القوى البشرية لديها على هذه الأسس. ووجدت العديد من الدراسات أن الاقتصاد المبني على المعرفة يتطلب توافر المهارات المذكورة إلا أن كثيراً من الراشدين في أغلب الدول غير ملمين أو يجهلون هذه المهارات. وفي دراسة جديدة نسبياً، توصلت دراسة في بريطانيا أن موظفاً واحد من بين كل خمسة موظفين يعتبر أمياً من ناحية إلمامه بالمهارات الوظيفية المطلوبة حالياً.
واستنتاجاً مما ذكر، يتبين ضرورة التخطيط الحديث للقوى البشرية والتركيز على المهارات الفكرية والمعرفية والكفايات الأساسية، إضافة إلى دواعي التنسيق بين قطاعات العمل ومؤسسات التعليم العالي للوصل إلى سد الفجوات الموجودة في الموارد البشرية لتكون مؤهلة للقرن الحادي والعشرين كما وكيفاً.
دول التعليم العالي في تنمية الموارد البشرية
تؤكد اليونسكو ومنظمة العمل الدولية (2003) على أن تنمية الموارد البشرية والتعليم والتدريب تسهمان إسهاماً كبيراً في تعزيز مصالح الأفراد والمنشآت والاقتصاد والمجتمع. وتعمل على تحويل الأفراد إلى مواطنين صالحين للعمل ومسلحين بالمعرفة مما يدعم التنمية الاقتصادية، ويوفر العاملة المؤهلة ويعزز الاندماج في المجتمع. وبذا يستفيد الاقتصاد والمجتمع بوجه عام. ويصبح الاقتصاد أكثر إنتاجية وإبداعاً وقدرة على المنافسة من خلال وجود الطاقات البشرية المهارة, ولذا فلابد من إيلاء التعليم والتدريب مزيداً من العناية والاهتمام.
يتمحور دور الجامعة حلو فكرة تقديم خدمات تعليمية تخصصية بطبيعتها تتميز بارتباطها المباشر بخطط التنمية الوطنية، وتسعى إلى خدمة التنمية وذلك بتزويدها بالموارد البشرية القادرة على إدارة عملياتها بصورة واعية تؤدي إلى الوصول إلى غاياتها المنشودة. وحتى تتحقق هذه الغاية لابد من أن تتوفر ثلاثة عوامل أساسية في هذه الخدمة تشكل بمجملها عناصر الرسالة التي ينبغي على الجامعة أن تسعى إلى تحقيقها. وهي:
العامل الأول: يتعلق بقدرة الجامعة على توفير أجواء تعليمية مناسبة تتيح للطالب أن يتلقى تعليماً تفاعلياً من قبل أستاذ متخصص ومؤهل وقادر على تحويل التعليم لدى الطالب من مجرد حقائق معرفية إلى مزيج من المهارات التطبيقية والفنية التي تمكن الطالب بعد تخرجه من الدخول مباشرة إلى سوق العمل، والانخراط في أنشطة إنتاجية تتسم بالكفاءة والفاعلية وتؤدي إلى رفع مستويات إنتاجية الفرد إلى الحدود المعيارية كتكنولوجيا المعلومات بصورة واسعة ومدروسة وممولة جيداً في العملية التعليمية لتمكين الخريج من اكتساب المهارات التي يتطلبها العمل في الألفية الثالثة ليكون منافساً وعلى قدم المساواة مع الآخرين.
العامل الثاني: يتعلق بإيجاد وسيلة فعالة لتأمين مدد لا يتوقف من أعضاء الهيئات التدريسية في الجامعات عن طريق الابتعاث إلى جامعات عالمية ذات سمعة أكاديمية وعلمية متميزة. فقد أشارات التجار بفي الجامعات الأردنية إلى أن الجامعة التي يتخرج منها عضو الهيئة التدريسية تشكل فرقاً كبيرا في مستوى جودة التعليم الذي يقدمه لطلبته في الجامعة وفي نوعية القدرة على المساهمة في غرس القيم الإيجابية والوطنية لديهم, فمرحلة الجامعة بالنسبة للطلبة ليست منحصرة في بعدها التعليمي فقط، بل تتعدى ذلك إلى أبعاد تتعلق بتشكيل شخصية الطالب وإعداده لأدوار قيادية ذات أثر حاسم في حياة الوطن ورفاهية المجتمع وتقديمه على الأصعدة المختلفة. فقد أشارات تجارب جامعتنا التي تعرفها جيدة كأكاديميين إلى عضو الهيئة التدريسية غير المؤهل جيداتً من الجامعة التي تخرج منها يبقى مع الأسف عاجزاً عن القيام بدوره الأكاديمي بالصورة المناسبة وذلك لأن النموذج الأكاديمي الضروري لأحداث العلاقة بين المعلم والمتعلم لا يتبلور أمام الطلبة بسبب ضعف وضحالة الخلفية العلمية مما يحد من قدرته على تزويد طلبته بالنموذج القيادي المناسب، فالطالب كبقية البشر يتعلق بالرموز الإيجابية التي تقدم خدمات متميزة وذات جودة عالية تخلو من عوامل الضعف و القصور.
العامل الثالث: يتعلق بالظروف الاقتصادية والاجتماعية للطالب، الذي يدخل إلى الجامعة ليواجه ومعطيات جديدة غير تلك التي تعود عليها في المدرسة. فهو يعيش الآن في بيئة شبابية جديدة لها متطلباتها من حيث المظهر والسلوك ولها نظام قيمي خاص بها، تتطلب مستلزمات إضافية حتى تقيم التجربة الجامعية ليبحر عبرها الطالب يتعلم ويستزيد من المخزون الثقافي للمرحلة الجديدة ويسعى بنجاح لتطوير مهارات التعامل مع الآخرين من أساتذة وطلبة وإداريين في الجامعات وبالتالي يستطيع وضع اللبنات الأولى لمستقبل منتج وفعال. وهذا يتطلب منا كمجتمع أن نجد حلولاً اقتصادية إبداعية تمكن أبناء وطننا من خوض التجربة الجامعية بنجاح. فنجاح أي طالب في جامعاتنا هو نجاح للوطن بكل مكوناته وضمان لمستقبل يتصف أبناؤه بقدرات أعلى على تحيكم العقل والمنطق في مواجهة تعقيدات الحياة المعاصرة.
المواءمة بين إعداد الموارد البشرية واحتياجات قطاعات العمل
تعد مسألة المواءمة بين التخصصات والبرامج التعليمية والتدريبية المطروحة في مؤسسات التعليم العالي وارتباطها باحتياجات المتعلمين ومتطلبات قطاع العمل إحدى المشكلات الملازمة ومحوراً أساسياً للمنظومة التعليمية في كثير من الدول. وتعاني العديد من النظم التعليمية من وجود فجوة حقيقية في تهيئة الموارد البشرية التي يحتاجها سوق العمل من حيث المهارات والكفايات المطلوبة في ميدان العمل والمحتوى النظري أو العملي المقدم على مستوى المؤسسة التعليمية. ويعود السبب في ذلك إلى قلة وجود التواصل والارتباط بين مؤسسات التعليم العالي – كليات وجامعات – من جهة وقطاع العمل من جهة أخرى. وعليه ينبغي العمل على دراسة الأبعاد المرتبطة للبيئة التعليمية وبرامجها ومدة مواءمتها مع حاجات التنمية وقطاعات العمل.
وتمر عملية التأقلم والتغيير في مؤسسات التعليم العالي بمراحل زمنية بطيئة، لأن التعامل هنا مع مقدرات بشرية (سواء من الطلبة أو أعضاء هيئة التدريس)، ومن طبيعة هذه أن لا يسهل تشكيلها كما لو كانت تتعامل مع قطع ميكانيكية أو جمادات. هذا إذا وضحت الصورة المطلوبة للتعيير، لأن هذه بدورها تخلق معضلة أخرى تزيد من تعقيد الحل للأولى، فمتطلبات واحتياجات التنمية في الدول النامية تتسارع وتتغير في أنماطها وتتنوع في أحجامها في أوقات قصيرة جداً, ويكفي أن معظم مؤسسات القطاع الخاص في هذه الدول مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمؤسسات الأم في الدول الصناعية المتقدمة. هذا مع أنه من الواضح أن تحدي المواءمة يعد هماً عالمياً ويواجه جميع الدول في العالم وحتى المتقدمة صناعياً، إلا أن هناك نجاحات في بعضها في معالجة هذا التحدي من خلال تكاتف الجهود من أجل إعادة التأهيل والتدريب لما يلائم احتياجات سوق العمل ليدها، كما أن حجم بروز آثارها لا يبدو واضحاً كما هو الحال في الدول الأقل تقدما.
المراجع:
1- النجيحي، محمد (1976) التنمية الاجتماعية والاقتصادية. مكتبة الأنجلو المصرية. القاهرة.
2-
www.alrai.com/index,php.3- www/.act/workkeys.