نحلم بوطن ونعشق الحرية ، تتغني بأهازيج
النصر ، ونقبل السماء وننحني ركوعاً مع بزوغ الشمس حتى أفولها .. نناجي
سحابات الخير وغيوم الظلام الكاسيات للحلم والعشق .
يولد الوليد صارخاً .. صرخات ابتهال مستقبلاً ضياء الحياة ، ويمتطي
أثداء أمه بدفء ، ينمو وتنمو معه ابتسامات الأمل والشوق لمداعبتهما
بضحكاته وابتساماته وتبدأ تتدرج قدماه أولي الخطوات ومعهما تزنان ملامح
الإدراك لترسم بكلماته المتلعثمة إيحاءات الإدراك ، فيسبح هائما بصرخات
الألم وغضب وتجتاحه اجتراحات الزمان لتؤرق ليله ، وتتمرد علي السكون.
تغادره ابتسامته محياه ، وتعبس بشرته الناعمة وتتجعد غضبا ، ويزداد تشققات
الشفاه خشونة وغلاظه .
تبدأ رحلة الغاضبين ، العابسين ، نبحث دوما عن الغضب بين أزقة الشتات
واللجوء ، علي الضفة المرادفة التي أصبحت رافدا لمعاناة القلوب ، ورديفا
لموجات السعادة التي غادرتنا مع غياب شمس الأصيل في قريتي ، وهجرتني
الطيور وأنا ألاحقها بين شجيرات مزرعتنا الخضراء.
تلاحقنا سكرات الموت على شواطئ ترتسم عليها أسماءنا ، وألواننا ،
وانتمائنا ، ارسم اسمك بأحرف الدم فلسطيني .. عراقي .. لبناني .. صومالي
.. سوداني ، أختر ما شئت من الأحرف ومن الكلمات ، فالغضب متجذر بأعماق
البحر ، وبين نسمات الربيع ، ووريقات الخريف المتساقطة لتدوسها نعال الألم
، لا تقف شريد الذهن ، خجول البوح أمام المسميات ، ولا تلامس قطرات المطر
في فصل الشتاء ، فهي سيول جارفة غادرها الخير ، تتسارع لتستقر في قعر
المحيط ثائرة بأمواجها الهادرة ، سيول اقتلعت البسمة وألقت بها فوق سطح
خيمتك .
جواز سفري لا أرقام تميزه ، أو رمزُ يزينه لأنه مجهول ، سجين قيده
ولجوئه وتشرده ، يحمل عنوان خيمتي التي أحملها متنقلا باحثاً عن مراعي
خضراء ، تغرد بها طيور الحب ، بلا رائحة الأجساد المذبوحة أو رقاب مجذوعة
، بلا مقصلة تبتسم احتفالا بعنقي ليزين شوقها للموت ، أو يد أخي تقتلع
نبضات من قلبي … احمل خيمتي باحثا بين كومات الغضب التي استعمرت أدميتنا
واجتاحت ربوع عمرنا الذي أفنته تكدرات الغدر والانتقام من لجوئي ، والثأر
من انتمائي .
هويتي حمراء بلون دمائي التي لم تبرح شرايين الجسد بعد بنصل سيف محموم
مسنون ، يتأهب لينثر كرات الدم علي قارعه الموت ، التي تلاحقنا لأننا من
حمل هم فلسطين والعراق والصومال ولبنان والسودان .
نغضب ويحتقن الغضب بأعماقنا ، مرافقاً ، ومسافراً معنا ، لا يبرح
الوجدان ، ولا يغادر الفؤاد الملتهب شوقا وحبا للحرية ، وحلما بوطن وراية
وأرضا ، فلماذا نحن غاضبون ؟
لأننا عشاق حرية ، حالمون بنسمة هواء طاهرة صافية نقية ، آملون بربوع
خضراء نتقوت من كرامتها ، ابتسامة نقبل بها السماء ، وننحي ركوعاً مع
إشراقه كل فجر .. نسبح حمداً لقطرات الندي .. ونسائم الربيع .