هل يعلم المصريين ان احد فراعنتهم الذين يتباهون بعظمتهم كل يوم و لا زالوا يدرسون انجازاتهم الكبرى حتى الساعة جزائري ؟
التاريخ يثبت بالدليل القاطع ان جزائريا ملك مصر و اصبح
فرعونيا يملك مشارق الارض و مغاربها انه الامازيغي يوبا الثاني (52 ق م
الى 23 م ) و هو ابن يوبا الاول اخذ الى روما طفلا اسيرا بعد انتحار والده
فنشأ بها ، و في عام 30 قبل الميلاد توفى الحاكم مارك انطونيوس زوج
كليوباترا و كانت لها ابنة منه اسمها كليوباترا سليني فقام اكتافيوس
فكفالة ابناء انطونيوس و كليوباترا و زوج الجزائري يوبا الثاني بكليوباترا
سليني وولاه مصر فاصبح فرعونيا عليها . هذه القصة موجودة في كتب التاريخ
التي اكدت ان كليوباترا سليني جاءت الى مدينة شرشال غرب ولاية تيبازة
(كانت عاصمة الجزائر في العهد الروماني) لتلقى تعليما بجامعتها و ان يوبا
الثاني كانت له اسهامات ثقافية و كتب و مؤلفات في التاريخ و علم الأثار
بالإغريقية و هو اول من رسم خريطة لشبه الجزيرة العربية .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
و من لم يؤمن بقصة يوبا الثاني الجزائري الذي اصبح حاكما
فرعونيا للمصريين هناك قصة ثانية لجزائري اخر يعد احد مؤسسي الحقبة
الفرعونية في مصر . انه شيشناق يسمى ايضا شيشناق الاول مؤسس السلالة
الفرعونية 22 في مصر سنة 950 قبل الميلاد (هناك حوالي 35 اسرة او سلالة
فرعونية حكمت مصر و فرعون سيدنا موسى كان يمثل الاسرة 19) ، و يشهد
التاريخ الجزائري شيشناق انه موحد ارض مصر التي انشطرت الى قسمين هما
السامرة و يهود ، كما ادخل اضافات الى تسيير دولة في النظامين العسكري و
الاقتصادي و غيرهما . تروي كتب التاريخ ان شيشناق غزى القدس (فلسطين) انه
كان موحدا يؤمن بالله الواحد و ان سيدنا سليمان عليه السلام تزوج ابنته
اما طريقة حكمه مصر ، فقد اعتلى عرش مصر بعدما انتصر على الفرعون المصري
الذي اراد احتلال الجزائر (ليبيا) رغبا منه في التوسع . و من يومها يحتفل
الجزائريون و شعوب المغرب العربي يتلك الواقعة التي حدثت يوم 12 يناير و
جعلوه راس السنة الامازيغية فيما يتذكره سكان نوبا في مصر بمظاهر الحزن و
الانكسار و قد خلدت المسلات الموجودة بارض مصر و تحديدا في معابد الكرنك (
منطقة اثرية في الاقصر جنوب مصر) تاريخ شيشناق الاول و انجازاته (مسلات
جمع مسلة و لكل فرعون واحد منها و هي على شكل عمو حجري تنقش عليه انجازات
فترة حكم فرعون ).
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
و لا نعتقد ان المصريين ينكرون ان قبلة العلم الازهر
الشريف الذي يعد احد المعالم الحضارية و الفكرية منذ القرون و لازال الى
اليوم ، بني بجهد فكري و مالي و بمبادرة من الجزائر فمؤسسه هو معز لدين
الله الفاطمي الذي إنطلقت مملكته من جبال البابور بجيجل (شرق الجزائر) ثم
وسع حكمه الى ان بلغ مصر التي ترك فيها تاريخ و فضلا كبيرا بأن بنى عليها
جامعة الازهر و اسس الفوسطاط (الاسم القديم للقاهرة ) و سماها القاهرة
التي لازالت تحمل هذا الاسم الى اليوم .و لم يقتصر دور الجزائريين في
الازهر على بناءه و تشييده فحسب ، بل للعلماء الجزائريين فضل كبير في
تعليم المسلمين ، و المصريين على وجه الخصوص ، سواء في الفقه او اللغة او
مختلف العلوم الاخرى فقد ابهر علماء جزائريون اجلاء في تعليم اروقة الازهر
و ذاع صيتهم في كل مكان حتى اصبحوا مرجعا يعتد به في الفتوى و الفقه و
البلاغة و النحو و اصول الدين و غير ذلك.عبد الحمان الثعالب
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
و يكفينا فخرا ان افضل من الف في النحو و الصرف العربيين
هو شيخنا عيسى بن المعطي الزواوي (1169م-1231م) الذي سكن دمشق و امتهن
التدريس و حل بعدها بالقاهرة ، حيث القى الدروس و عكلف على التأليف تاركا
عشرات الكتب اشهرها ارجوزته في النحو "الدرة الالفية في علم العربي" و من
علمائنا ايضا ابو يوسف يعقوب بن يوسف الزواوي المتوفي سنة 1291م الذي
اشتهر في القاهرة و دمشق و الشيخ ابو الروح عيسى بن مسعود المنقلاتي
المتوفي سنة 1265م الذي لسموا مرتبته في علم تولى القضاء لدمشق عامين ثم
تولى الرئاسة الفتوى المالكية بالقاهرة و الشام و ترك 10 مخطوطات كاملة
اما اشهرهم على الاطلاق فهو شيخنا عبد الرحمان الثعالبي نزيل الجزائر
العاصمة الذي درس بالازهر الشريف .و من شدة اعجاب تلاميذته بسعة علمه في
كل شيء فقد اصبح مكانه في الجزائر مزرارا يحج اليه طلاب العلم من الازهر
نفسه و من كل بقاع العالم الاسلامي بحثا عن الفتوى.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
و في القرن 19 اخرج الكثير من علماء الجزائر من ديار
الجزائر مظطرين من المستعمر الفرنسي الغاشم بعدما بسط سيطرته بقوة السلاح
ففضل الكثير منهم الهجرة الى المشرق الذي كان لايزال تحت الحكم الاسلامي و
هي الهجرة التي سمحت للازهر ، و مصر عموما ، بالإستفادة من العلم الغزير
لعلماء الجزائر الذين كونوا مجموعة كبيرة من مشايخ الازهر و اساتذة اللغة
في مصر . و من هؤلاء الشيخ الطاهر الجزائري الوغليسي (1851م-1919م) الذي
قاد الحركة الفكرية الاصلاحية في النصف الثاني من القرن الــ19 بالشام و
مصر و كان الوغليسي صاحب فضل كبير في التعليم بالمشرق العربي . فهو اول من
انشأ مدارس التعليم خاصة بالبنات في المشرق العربي كما انشأ دار للكتب
بالظاهرية في دمشق و كان مديرها كما كان عضو في التجمع العلمي السوري و له
مؤلفات في الادب و الحساب و الرياضيات .و كان الوغليسي واسع العلم ، غزير
المعرفة يسافر دائما حيث يجد ان هناك من هم في حاجة الى علمه . و هكذا
سافر الى القاهرة بعدما غرس لدى اهل الشام علما جامعا و ادبا نافعا . و في
القاهرة واصل الشيخ الطاهر الوغليسي مهمة تنوير العقول بتعليم المصريين و
غيرهم من المسلمين الى ان وافته المنية بها و من شدت اعجاب المسلمين و
تقديرهم بعلمه و اطلقوا عليه لقب نزيل القاهرة .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
و قد واصل الأزهر الشريف استقبال علماء الجزائر الذين ذاع
صيتهم في البلاد الاسلامية على غرار الشيخ العلامة البشير الإبراهيمي
(1889م-1965م) الذي لم يضاهيه في زمانه احد في اللغة العربية ، لكن الازهر
بنفسه كون علماء في الفقه و الدين يحملون الجنسية المصرية و العروق
الجزائرية . مفتي الازهر الحالي الشيخ علي جمعة له اصول جزائرية خالصة .
اصله بالضبط من مدينة دلس (ولاية بومرداس المتاخمة للجزائرالعاصمة شرقا).
و تعتبر مدينة دلس من حواضر منطقة القبائل ، و قد عرفت بمدارسها الحرة و
زواياها تخررج منها علماء اجلاء . كما سافر بعض اهلها مع الامير عبد
القادر الى منفاه بالشام و كان منهم اسرة جمعة المعروفة بالعلم و تبحر في
الفقه و اللغة . و قد استقر بعض افراد هذه الاسرة الشريفة (اسرة جمعة) في
سوريا فيما اقام بعضها الاخر بالقاهرة و انحدر منها الشيخ على جمعة مفتي
الديار المصرية . ان الحديث عن عمق العلاقات الجزائرية المصرية يضرب مداه
الى العهود الفرعونية الساحقة ، حتى ان هناك مناطق في جنوب مصر لا زالت
تتحدث الى اليوم بكلمات يمكن لاي من يتكلم الامازيغية عندنا ان يفهمها
بسهولة . و حتى هجرة العلماء الجزائرين للتعليم في مصر لم تكن بغرض
التعليم فقط و انما لتلقي المزيد من العلم . و هذه طبيعة علماء الاسلام ،
كلهم صغار امام العلم و البحث عن العلم لايتكمل و لا ينتهي الا بوفاة
طالبه او عجزه .و اذا سردنا هذه الامثلة عن تأثير الجزائر في الثقافة
المصرية عمرو اديب و مصطفى عبده و من إنساق معهما في إهانة الجزائر ، لا
هو رياء او استعلاء ، بل تثمين لروابط الأخوة و القرابة و الافتخار بعمق
العلاقات و متانتها ، و هي العلاقات التي لايمكن لجلد منفوخ تتقاذفه
الارجل يمينا و شمالا ان يمحوها او يزعزعها.
اتمنى انو الموضوع يعجبكم