ويسألونك عن طرائف الشعر وغرائبه

زائر

د.عبدالكريم العبدالكريم

في
خضم الأعمال الصاخبة التي تطاردني وأطاردها حاولت أن أجد متنفساً أجدِّد
به النشاط، وأستحث به الخُطَا على مواصلة المسير، فأردت أن أمسح الغبار عن
كتبي؛ مبتغياً سياحةً فكريةً في كتب الأدب، سياحةً تبحث عن الغريب المضحك،
والعجيب المُلفِت مستشعراً في ذلك قول معروف الرُّصافي:

لا بدَّ من هزل النُّفوس فجدُّها

تَعَبٌ وبعض مِزَاجِهَا استجمام

فإذا شغَلتَ العقل فالهُ سويعةً

فاللهو من تعب العُقول جِمامُ

وأبشرك أيُّها القارئ الكريم أنِّي وجدت نُشْدَتي، ووقعت على
بُغيتي بشكل سريع فوقعت على شاعرٍ مغمور اسمه القاسم بن يوسف بن صبيح وهو
من مغموري شعراء العصر العباسي توفي في حدود سنة 220هـ قال عنه الصولي :
(هو أشعر في فنه الذي أعجبه في مراثي البهائم من جميع المُحدثين حتى إنَّه
لرأسٌ فيه متقدمٌ جميع الشعراء) .

وقد أبقى لنا هذا الشاعر المغمور نماذج من الأدب الضاحك الذي يقوم
على الفكرة الطريفة التي تتولد –أحياناً- من المعاناة الحقيقية، فتَجِدُهُ
يشكو البَقَّ والبراغيث قائلاً:

قد مُنِينا بهَنَات

هنُّ من شرِّ الهَنَات

نافراتٍ آمراتٍ

قلِقَاتٍ مُقْلِقات

سافكاتٍ لدماء النَّـ

ـاس منها شاربات

معنا في الفرش والقُمْـ

ـصِ علينا واثبات

بين مُحتَكٍّ وفالٍ

ثوبة في الفاليات

...ومُنِيْنَا بهنَات

واقعات طائرات

جارحاتٍ داخلات

مُسْهراتٍ ساهرات

زامِراتٍ لكَ بالتسـ

هيد في وقت السُبات

من لحوم في دماء

وارداتٍ شارعات

بخراطيمٍ مُـ

ـدلاَّةٍ طوالٍ جارحات

طَعْنُها أنفذُ في الـ

أبدان من طعن الكُمَاة

وفي قصيدةٍ أخرى يتفاعل مع عنزٍ سوداء فيرثيها بقصيدةٍ طويلة يقول فيها :

لست أنسى محاسن السوداء مـ

ـاسَقَى الأرض صوب ماء السماء

بوركت حفرةٌ تَضَمَّنَت السـ

ـوداء بل ضُمِّنَت من السوداء

كيف لي بالعزاء لا كيف عنها

سَلَبَتني السوداء حسن العزاء

...نعم أمُّ العيال في الحرِّ والقـ

ـرِّ إذا أعصفت رياح الشتاء

لا تَشَكّى جوعاً وإن مسَّها الـ

ـجوع وتَدعو ذات المراء بماء

ثم قال في آخر القصيدة:

وأصبنا من السويداء ما يقـ

ـرُ عنه تَعداد ذي الإحصاء

حبذا أنت ياسويداء لـ

ـو تَمَّت لنا فيك مطعمات الرَّجاء

أيُّ حيٍّ يبقى فتبقى لنا السـ

ـوداء هيهات مالنا من بقاء

كيف يرجو البقاء سكان دارٍ

خَلَقَ الله أهلها للفناء

وتقع عين شاعرنا على قمري سقط من السماء ، فيتخذ من منظره فرصة لرثاء ذلك القمري، وتوصيف مرآه ، يقول :

هل لامرئٍ من أمانٍ

من ريب هذا الزمان

ما اثنان يجتمعان

إلا سيفترقان

قرينُ كل قرين

يَبِيْنُ بعد اقتران

...فالقلب فيه كلومٌ

من لاعج الأحزان

وفي الحشا لاذعات

كمشعل النيران

ثم يقول:

كان المطوَّق أُنساً

للأهل والجيران

وكان طَلقاً ضحوكاً

يجيب كلَّ أوان

إذا أشرتُ إليه

باللحظ أو بالبنان

مُغَرِّداً في دجى الليـ

ـل مؤذناً بالأذان

...هيهات مالك ثانٍ

مُقَارِبٌ أو مُداني

ومابَنَى مثل ما قد

بنيتَ في اللهو باني

فاذهب حميداًَ فقيداً

فما خلا اللهُ فاني

والنمل والفئران كائنات تسترعي نظر الشاعر ، وتأخذ حيزاً من
ديوانه، فتجده شاكياً من إفسادها، ومتوقفاً عند لقطاتٍ من أفعالها، فيقول:

لنَا جاراتٌ سوء مـ

ـؤذياتٌ من يجاورها

حوارثُ غير زارعةٍ

إذا انتشرت عَسَاكِرُهَا

كتعبية الكتائب حيـ

ـن تلقى من يغاورها

فمقتولٌ ومأسورٌ

إذا خربت مَشَاعِرها

...دقيقاتٌ قوائمها

لطيفاتٌ خواصرها

رفيعاتٌ مقَادِمُها

نبيلاتٌ مواخرها

وجاراتٌ لنا أُخرٌ

عفايفها عواهرها

فقيراتٌ وقيراتٌ

فلا سُدَّت مَفَاقِرها

فويسقةٌ وسارقةٌ

وناقبةٌ تؤازرها

ويَسري في طعام الأهـ

ـل مُنجِدُها وغائرها

وتبقى أغلب نماذج الأدب الضاحك مفتقرة للعاطفة المتأججة، متعامدة على
التوصيف الدقيق المضحك الذي يجد القارئ فيه لقطةً من اللقطات المتكررة في
حياته، فإذا ما تكررت تلك اللقطة في الشعر وجد لتكرارها طعماً طريفاً ،
ومذاقاً ينحرف عن النماذج الأخرى الرصينة.

وقد توارد في ديوان الشعر العربي نماذج من رثاء الحيوانات والجمادات
وهجائها فكانت ظاهرةً دالةً على روح المرح والترف الفكري التي سَرَت في
مجتمعات العرب ، وهي من جهةٍ أُخرى تدل على تشبع الشعراء من بعض القوالب
الفكرية المتكررة، وبحثهم الحثيث عن قوالب معنوية مُلفِتة، يتمايزون بها ،
ويتسابقون إلى معانٍ جديدة يلمسها أحدهم قبل صاحبه.

والذي يعنيني –هنا- أنَّ هذه القصائد وأشباهها تجدِّد النشاط، وتطرد
السآمة، وتَسْتَجِمُّ بها العقول ، وتستريح بها النفوس وقد كان ابن عباس
–رضي الله عنه- إذا رغب في تجديد همته طلب دواوين الشعر لقراءتها، وكان
أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم – يتذاكرون أشعار الجاهلية وأخبارها
في مسجده –عليه السلام – وربما تبسم من حديثهم فحريٌّ بنا أن نبعث تلك
الأشعار الطريفة المتزنة من مرقدها، وأن تكون مادةً لمجالس الأنس، وليالي
السمر في حياتنا.

زائر

وربي صدقت
من جد غراب الشعر وطرائفه
لله درك
سلمت اناملك
MERIAM
بقمه الابداع والذوق والروعه
مبدعه دائما كما عهدتينا
الله يعطيك الف عافيه
لك ودي

زائر

شكرالك البداية يعطيك الصحة خاي

مشكوووووووووووووووووووووووووووووووة

زائر

العفوووووووووووو

» طرائف للشيخ عبد الحميد الكشك
» = طرائف التعليم == خاص بالمعلّمين والاساتذة ==
» تسريحات الشعر
» قوانين قسم الشعر العربي
» أجمل بيوت الشعر العربي