هاهو الربيع يستعد للرحيل ويلقي نظراته الحزينة علي أغصان أشجار الزيتون ... وهناك عند التلة القريبة
عند مدخل القرية حضر الصغار وتجمعوا لوداعه واستقبال الشتاء..
اقبل الشتاء كمسافر عاد إلي أهله بدون ميعاد كغريب حدت به الأقدار
ليحل ضيفاً ذات مساء جميل وليله قمراء تتلألأ فيها سماء قريتي الحالمة..
اقبل الشتاء برياحه الجافة وحرك سعف النخلات الثلاث أمام منزلي
وحرك ذكريات ثلاثون سنة مضت وطوتها ذاكرة النسيان
وها هي تعرض أمامي وتعود بي الذاكرة إلي الماضي الجميل..
ذلك الماضي الجميل وتلك الليالي التي غابت في غياهب الزمان..
لازلت أتذكر عندما يحل الشتاء فجأة وتهب رياحه القاسية
علينا ونحن نلعب بجوار بيتنا قبيل غروب الشمس ...
لازلت اسمع صوت جدتي وهي تنادينا خوفا علينا من هواء ذلك الشتاء الجاف
وتدعونا للكف عن اللعب والدخول إلي المنزل وشرب الحليب..
لازلت اسمع صفير رياح الشتاء في ثقوب نوافذ البيت الخشبية وهي تشدوا وتئن
وتخلق جوا جميلا وسمراً تملاه الألفة والمحبة..
لا زلت اذكر كيف نلتف حول الفانوس الصغير الدافئ نذاكر دروسنا
ونتبادل الضحك والقراءة بصوت عالي ونقلد الأستاذ..
ولازلت اذكر بعض حكايا جدتي لنا قبيل النوم وكيف كنا نتجمع حولها
وهي تحكي أجمل الحكايات وأروع القصص التي لم تفارق ذاكرتي إلى اليوم..
وعادة بينما هي تحكي قصصها في بعض الليالي فجأة نسمع ضجيج الدجاج الذي أيقظ الحي
طالباً النجدة من هجوم احد الثعالب الجائعة في ذلك الشتاء والليل الطويل
وما أن تحمل جدتي عصاها وتخرج لتحسم المعركة وتدافع عن دجاجاتها
ألا وقد انتهت المعركة بفرار الثعلب وإطلاق سيقانه للرياح حاملاً بفمه احد الدجاجات ...
لازلت اذكر كيف أصحو في الصباح الباكر وأطرافي ترتجف
واقفز سريعا من سريري وافتح باب المنزل لأرى كلبي وألاعبه هو يحوم حولي
محركا ذيله مبديا صداقته ووفاءه وشوقه لي
وهو ينتفض من برد ذلك الشتاء ومن الرذاذ والندى...
أعود مسرعا والبس بدلتي البيضاء واحمل حقيبتي واذهب إلي المدرسة
شاقاً طريقي بين الحقول الخضراء تبللني قطرات الندى
عندما الأمس الأشجار وسواقي المياه الجارية قاطعاً مسافة ليست بالقليلة حتى أصل إلي مدرستي
يحدوني الأمل للمستقبل وأنا أردد طوال الطريق احد الأناشيد أو القصائد
التي يجب أنا أكون حافظا لها عند وصولي المدرسة..
بعد أن امتطي التلال هناك أمامي تلوح من بعيد لي مدرستي الحبيبة شيئاً فشيئا
بلونها الأبيض وعلمها الكبير...
عندها اسمع ضجيج الطلبة من بعيد وهم يتهامسون ويتشاجرون ويستعدون لاستقبال يومهم الجديد..
أنها لحظات لن تعوض ولن تعود ...
لحظات ذهبت كما يذهب ضباب ذلك الشتاء الجميل تاركاً ملامسة ومداعبه قمم جبال قريتي..
انه ذلك الشتاء الذي ذهب ولن يعود....
كل منا يسأل نفسه ترى هل يعود شتاءنا
هل تعود ايامنا
لاشي يعود لاشي سوى ذكرياتنا
اذاً فلنحرص على ان تكون هذه الذكريات جميله ورائعه نستطيع من خلالها
ان نعيش ماتبقى لنا من زمننا وتكون دافعاً لحياه اجمل هناك عند مليك مقتدر
في الجنه هناااااااااااااااك الملتقى
بإذن ربي جل وعلاااااااااااا